موقع يعنى باللغة العربية وآدابها

الرئيسة >> نثر العرب >> المأمون الحارثي >> خطبة المأمون الحارثي
قَعَدَ المأمونُ الحارِثِيُّ في نادي قومِهِ، فنظرَ إلى السّماءِ والنجومِ، ثم أفكرَ طويلاً، ثم قالَ :
أَرْعُونِي أَسْمَاعَكم، وَأَصْغُوا إِليَّ قلوبَكم يَبْلُغِ الوعظُ منكم حيثُ أُرِيدُ.
طَمَحَ بالأهواءِ الأَشِرُ، وَرَانَ على القلوبِ الكَدَرُ، وَطَخْطَخَ الجَهْلَ النَّظَرُ.
إِنَّ فيما ترى لَمُعْتَبَرَا لِمَن اعتبرَ؛ أَرْضٌ موضوعةٌ، وسماءٌ مرفوعةٌ، وشمسٌ تَطْلُعُ وتَغْرُبُ، ونجومٌ تَسْرِي فَتَعْزُبُ، وقَمَرٌ تُطْلِعُه النُّحورُ وتَمْحَقُه أدبارَ الشّهورِ، وعاجِزٌ مُثْرٍ، وَحَوْلٌ مُكْدٍ، وشَابٌ مُحْتَضَرٌ، وَيَفَنٌ قد غُبِرَ، وراحلون لا يؤوبون، وموقوفون لا يُفَرِّطون، وَمَطَرٌ يُرْسَلُ بقَدَرٍ، فَيُحْيِي البَشَرَ، ويُوْرِقُ الشَّجَرَ، ويُطْلِعُ الثَّمَرَ، ويُنبِتُ الزَّهَرَ، وماءٌ يَتَفَجَّرُ مِن الصَّخرِ الأَيِرِ، فَيَصْدَعُ المَدَرِ عن أَفْنَانِ الخَضَرَ، فَيُحْيِي الأنامَ، ويُشْبِعُ السَّوامَ، ويُنْمِي الأنعامَ.
إنَّ في ذلك لأوضحَ الدَّلائلِ على المُدَبِّرِ المُقَدِّرِ البارِئِ المُصَوِّرِ.
يا أيُّها العقولُ النَّافِرَةِ، والقلوبُ النَّائِرَة، أَنَّى تُؤْفَكونَ؟ وعن أي سبيلٍ تَعْمَهُون؟ وفي أي حِيْرَةٍ تَهِيْمون، وإلى أي غايةٍ تُوْفِضُون؟
لو كُشِفَت الأَغْطِيَةُ عن القلوبِ، وتَجَلَّتِ الغِشَاوةُ عن العيونِ لَصَرُحَ الشَّكُّ عن اليقيِنِ، وأفاقَ مِن نَشْوَةِ الجَهَالَةِ مَن استولَتْ عليه الضَّلالةُ.

Twitter Facebook Whatsapp