موقع يعنى باللغة العربية وآدابها

الرئيسة >> نثر العرب >> الحسن البصري >> مقال الحسن حين رأى دار الحجاج التي بناها بواسط
ورُوِيَ أَنَّ الحجاج بَنَي دارًا بواسطَ، وأحضرَ الحسنَ؛ لِيَرَاها، فلمَّا دخلها قال :
الحمدُ للهِ، إِنَّ الملوكَ لَيَرَونَ لأنفسِهم عِزًّا، وإِنَّا لَنَرَى فيهم كلَّ يومٍ عِبَرًا، يَعْمَدُ أحدُهم إلى قَصْرٍ فَيُشَيِّدُهُ وإلى فَرْشٍ فَيُنْجِدُهُ وإلى ملابسَ ومراكبَ فَيُحَسِّنُها، ثم يَحُفُّ به ذبابُ طَمَعٍ وفَرَاشُ نَارٍ وأصحابِ سوءٍ، فيقولُ : انظروا ما صنعتُ! فقد رأينا أيُّها المغرورُ فكان ماذا يا أفسقَ الفاسقينَ؟!
أمّا أهلُ السمواتِ فقد مَقَتُوكَ،وأمّا أهلُ الأرضِ فقد لَعَنُوكَ، بَنَيتَ دارَ الفناءِ، وخَرَّبْتَ دارَ البقاءِ، وغَرُرْتَ في دارِ الغرورِ؛ لِتَذِلَّ في دار الحبورِ.
ثم خرجَ وهو يقول :
إِنَّ الله -سبحانه- أخذ عهدَه على العلماءِ؛ لِيُبَيِّنَه للناسِ، ولا يَكْتمونَه.
وبلغَ الحجاجَ ما قال، فاشتدَّ غضبُه، وجمعَ أهل الشأمِ فقال :
يأهل الشأمِ، أَيَشْتُمُنِي عَبْدٌ مِن عَبِيدِ أهلِ البصرةِ وأنتم حضورٌ فلا تنكرونَ!
ثم أَمَرَ بإحضارِه، فجاءَ وهو يُحَرِّكُ شَفَتَيه بما لم يُسْمَعْ حتى دخلَ على الحجّاجِ فقال :
يا أبا سعيدٍ، أما كان لإمارتي عليك حَقٌّ حين قلتَ ما قلتَ.
فقال :
يَرْحَمُك اللهُ أيُّها الأميرُ إِنَّ مَن خَوَّفَك حتى تَبْلُغَ مَأْمَنك أَرْفَقُ بك وأحَبُّ فيك مِمّن أَمَّنَك حتى تَبْلُغَ الخَوفَ. وما أردتُ الذي سبقَ إلى وَهْمُكَ والأمرانِ بيدَك العفوُ والعقوبةُ، فافعلْ الأولى بك، وعلى اللهِ فتوكَّلْ وهو حسبنا ونعم الوكيلُ.
فاستحيا الحجّاجُ منه، واعتذرَ إليه، وأكرمَه وحَباه.
وفي رواية أخرى:
فلمَّا دخلَ قال له الحجاجُ : ها هنا. فأجلَسَهُ قريبًا منه، وقال : ما تقول في علي، وعثمان؟
قال :
أقول قول مَن هو خيرٌ مِنِّي عندَ مَن هو شر منك، قال فرعون لموسى { فما بال القرون الأولى قال علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى } علم علي، وعثمان عند الله.
قال : أنت سيد العلماء يا أبا سعيد.
ودعا بغالية وعلف بها لحيته، فلما خرج تَبِعَه الحاجبُ، فقال له :
ما الذي كنتَ قلتَ حين دخلتَ عليه؟
قال :
قلت : يا عِدَتِي عند كُرْبَتِي، ويا صاحبي عند شِدَّتِي، ويا وَلِيَ نعمتي، ويا إلهي وإله آبائي إبراهيم وإسحق ويعقوب ارزقني مودَّتَه، واصْرِفْ عَنِّي أَذَاه. ففعل ربي -عز وجل-

Twitter Facebook Whatsapp