موقع يعنى باللغة العربية وآدابها

الرئيسة >> نثر العرب >> عمر بن عبد العزيز >> خطبة : إن لكل زاد سفرا
إِنَّ لكلِّ سَفَرٍ زادًا لا مَحَالَةَ فَتَزَوَّدُوا لِسَفَرِكم مِن الدّنيا إلى الآخرةِ، وكونوا كَمَنْ عاينَ ما أَعَدَّ اللهُ لَهُ مِن ثوابِه وعقابِه، فَرَغِبُوا وَرَهِبُوا، ولا يَطُولَنَّ عليكم الأمدُ فَتَقْسُو قلوبُكم، وتَنْقَادُوا لِعَدُوِّكم؛ فإِنَّه واللهِ ما بُسِطَ أَمَلُ مَن لا يدري لعلَّه لا يُصْبِحُ بعد إِمْسَائِهِ ولا يُمْسِي بعدَ إصباحِه وربما كانت بين ذلك خَطَفَاتُ المنايا، فكم رأينا ورأيتم مَن كان بالدنيا مُغْتَرًّا فأصبحَ في حَبَائِلِ خطوبِها ومناياها أسيرًا؛ وإنما تَقَرُُّ عينُ مَن وَثِقَ بالنَّجاةِ مِن عذابِ اللهِ، وإنما يَفْرحُ مَن أَمِنَ مِن أهوالِ يومِ القيامةِ؛ فأمَّا مَن لا يَبْرَأُ مِن كَلِمٍ إلا أَصَابَهُ جَارِحٍ مِن ناحيةٍ أخرى فكيف يفرح؟!
أَعوذُ بالله أَنْ آمرَكم بما أَنْهَى عنه نفسي فتخسرُ صَفْقَتي، وتَظْهَرُ عورتي، وتبدو مَسْكَنَتِي في يومٍ يبدو فيه الغنيُّ والفقيرُ والموازينُ مَنْصَوبَةٌ، والجوارِحُ نَاطِقَةٌ فلقد عُنِيتم بأمرٍ لو عُنِيتْ به النجومُ لانْكَدَرَتْ، ولو عُنِيت به الجبالُ لذَابَتْ أو الأرض لانْفَطَرَتْ، أما تعلمون أَنَّه ليس بين الجنةِ والنارِ مَنْزِلَةٌ وأنَّكم صائرون إلى إحداهما!

Twitter Facebook Whatsapp