وهوَ مَثَلٌ يُقَالُ فِيْمَنْ أَرْبَى بِهِ الفَقْرُ عَنْ حَدِّه، فبَاعَ بالبَخْسِ ثَوْبَ أَبِيْهِ وجَدِّه، والأَدِيْبُ رَجُلٌ مُنْشَغِلٌ بِما يَنْفَعُ النَّاس، ولا يَـحْظَى بِغَيْرِ الـهَوَانِ والإفْلاس.
وأَصْلُ المَثَلِ أنَّ رَجُلاً انْصَرَفَ إلى الأَدَب، وجَدَّ في تَـحْصِيْلِ فُنُوْنِهِ وطَلَب، فلَـمَّا فَاقَ وبَـرَع، وابْتَـكَرَ واخْتَـرَع، رَأَى أَقْرَانَهُ يَتَـبَوَّؤوْنَ المَـنَاصِب، وهوَ وَحْدَهُ في الـهَمِّ نَاصِب، هُوَ يَـجْمَعُ النُّخَب، وهُمْ يَـجْمَعُوْنَ الذَّهَب، ويَنْظِمُ القَصَائد، ويُنَظِّمُوْنَ المَوَائد، ويُبْدِعُ الرِّوَايات، ويَبْتَدِعُوْنَ الـهِوَايات، ويَنْقُدُ الأَعْمَال، ويَنْتَقِدُوْنَ المَال.
فلَـمَّا رَأَى ضَيْعَةَ حَالِه، وفَقْرَه وسُوْءَ مَآلِه، مَزَّقَ كُتُـبَهُ وأَوْرَاقَه، وأَقْسَمَ أنْ يُوَدِّعَ الفَاقَة، فاقْتَـرَضَ مِنْ ذَوِيْهِ دُرَيْـهِمَات، ووَضَعَها في المُسَاهَمَات، فمَا إنْ فَـتَحَ طَرْفَهُ وأَغْمَض، إلاّ وقَدْ أُكِلَ كالثَّوْرِ الأَبْيَض، وما كَرَّ عَلَيْهِ يَوْمَان، إلاّ وهوَ أَفْقَرُ مِـمَّا كَان، فأَدْرَكَ أنَّهُ مَنْحُوْس، لا تَنْفَعُهُ الدُّرُوْس، فعَادَ إلى حِرْفَتِه، وأَنْشَدَ مِنْ حُرْقَتِه:
لَقَدْ جَرَّبْتُ هَذَا العَيْشَ دَهْراً *** فَلَمْ أَرَ قَطُّ أَفْقَرَ مِنْ أَدِيْبِ
نَشَأْتُ عَلَى التَّأَدُّبِ مِنْ قَدِيْمٍ *** وَهَا قَدْ لاحَ لِلرَّائي مَشِيْبي
سِنُوْنَ مَضَتْ أَصُوْغُ بِـهَا اللآلِي *** وَأَنْثُرُ مِنْ فُنُوْنِي كُلَّ طِيْبِ
أُسَامِرُ لَيْلَتِي بِصَدَى القَوَافِي *** وأَصْحُو مِثْلَ مُبْتَئسٍ كَئيْبِ
أَجُوْعُ فَـآكُلُ النُّخَبَ السَّوامِي *** وإنْ أَظْمَأْ فَمِحْبَـرَتِي قَلِيْبي
وَيَبْلَى الثَّوْبُ ذُو التِّسْعِيْنَ فَتْقاً *** فَيَـبْدُو مِنْ نَوَافِذِه مَعِيْبي
وَلِي كُوْخٌ تَفِرُّ الـجِنُّ مِنْهُ *** وَلا يَدْنُو إلَيْهِ أَيُّ ذِيْبِ
وَغَيْرِي هَانِئٌ في خَفْضِ عَيْشٍ *** يُطِلُّ عَلَيَّ مِنْ قَصْرٍ مَهِيْبِ
وَيَرْمُقُنِي بِنَظْرَتِهِ احْتِقَاراً *** وَإنْ سَلَّمْتُ لَـمْ أَرَهُ مُـجِيْبي
وَمَا في رَأْسِهِ إلا هَبَاءٌ *** وَلَكِنْ لا اعْتِرَاضَ عَلَى النَّصِيْبِ
فَيَا دُنْيَا رَجَوْتُكِ عَذِّبِيْنِي *** وَيَا آلامُ وَيْـحَكِ لا تَغِيْبي
وأَصْلُ المَثَلِ أنَّ رَجُلاً انْصَرَفَ إلى الأَدَب، وجَدَّ في تَـحْصِيْلِ فُنُوْنِهِ وطَلَب، فلَـمَّا فَاقَ وبَـرَع، وابْتَـكَرَ واخْتَـرَع، رَأَى أَقْرَانَهُ يَتَـبَوَّؤوْنَ المَـنَاصِب، وهوَ وَحْدَهُ في الـهَمِّ نَاصِب، هُوَ يَـجْمَعُ النُّخَب، وهُمْ يَـجْمَعُوْنَ الذَّهَب، ويَنْظِمُ القَصَائد، ويُنَظِّمُوْنَ المَوَائد، ويُبْدِعُ الرِّوَايات، ويَبْتَدِعُوْنَ الـهِوَايات، ويَنْقُدُ الأَعْمَال، ويَنْتَقِدُوْنَ المَال.
فلَـمَّا رَأَى ضَيْعَةَ حَالِه، وفَقْرَه وسُوْءَ مَآلِه، مَزَّقَ كُتُـبَهُ وأَوْرَاقَه، وأَقْسَمَ أنْ يُوَدِّعَ الفَاقَة، فاقْتَـرَضَ مِنْ ذَوِيْهِ دُرَيْـهِمَات، ووَضَعَها في المُسَاهَمَات، فمَا إنْ فَـتَحَ طَرْفَهُ وأَغْمَض، إلاّ وقَدْ أُكِلَ كالثَّوْرِ الأَبْيَض، وما كَرَّ عَلَيْهِ يَوْمَان، إلاّ وهوَ أَفْقَرُ مِـمَّا كَان، فأَدْرَكَ أنَّهُ مَنْحُوْس، لا تَنْفَعُهُ الدُّرُوْس، فعَادَ إلى حِرْفَتِه، وأَنْشَدَ مِنْ حُرْقَتِه:
لَقَدْ جَرَّبْتُ هَذَا العَيْشَ دَهْراً *** فَلَمْ أَرَ قَطُّ أَفْقَرَ مِنْ أَدِيْبِ
نَشَأْتُ عَلَى التَّأَدُّبِ مِنْ قَدِيْمٍ *** وَهَا قَدْ لاحَ لِلرَّائي مَشِيْبي
سِنُوْنَ مَضَتْ أَصُوْغُ بِـهَا اللآلِي *** وَأَنْثُرُ مِنْ فُنُوْنِي كُلَّ طِيْبِ
أُسَامِرُ لَيْلَتِي بِصَدَى القَوَافِي *** وأَصْحُو مِثْلَ مُبْتَئسٍ كَئيْبِ
أَجُوْعُ فَـآكُلُ النُّخَبَ السَّوامِي *** وإنْ أَظْمَأْ فَمِحْبَـرَتِي قَلِيْبي
وَيَبْلَى الثَّوْبُ ذُو التِّسْعِيْنَ فَتْقاً *** فَيَـبْدُو مِنْ نَوَافِذِه مَعِيْبي
وَلِي كُوْخٌ تَفِرُّ الـجِنُّ مِنْهُ *** وَلا يَدْنُو إلَيْهِ أَيُّ ذِيْبِ
وَغَيْرِي هَانِئٌ في خَفْضِ عَيْشٍ *** يُطِلُّ عَلَيَّ مِنْ قَصْرٍ مَهِيْبِ
وَيَرْمُقُنِي بِنَظْرَتِهِ احْتِقَاراً *** وَإنْ سَلَّمْتُ لَـمْ أَرَهُ مُـجِيْبي
وَمَا في رَأْسِهِ إلا هَبَاءٌ *** وَلَكِنْ لا اعْتِرَاضَ عَلَى النَّصِيْبِ
فَيَا دُنْيَا رَجَوْتُكِ عَذِّبِيْنِي *** وَيَا آلامُ وَيْـحَكِ لا تَغِيْبي