موقع يعنى باللغة العربية وآدابها

الرئيسة >> التصنيفات >> فائت الأمثال، فواز اللعبون >> 22 - «سَخَافَةٌ لَـمْ يَقُلْهَا التَّرْبَوِيّ»
وهوَ مَثَلٌ يُقَالُ في الكَلامِ البَارِد، قَليلِ المَنافِعِ مَنْـزُوْعِ الفَوَائد، والتَّرْبَوِيُّ مَنْ أَشْغَلَ نَفْسَهُ بِالقُشُوْر، وغَفَلَ عَنْ جَلائلِ الأُمُور، وانْصَرَفَ عَنْ شُؤُوْنِ التَّعْلِيْم، وبَالَغَ في التَّنْظِيْرِ والتَّنْظِيْم، فخَرَجَ عَلَى يَدِهِ جِيْلٌ ضَعِيْف، لا يَقْوَى عَلَى كَسْرِ رَغِيْف، جَاوَزَ وَاحِدُهُمْ عِشْرِيْنَ عَاما، ولَـمْ يَـزَلْ يُنَادِي أُمَّهُ: مَامَا.
وأَصْلُ المَثَلِ أنَّ رَجُلاً تَزَوَّجَ دَارِسَةَ نَفْس، وأَنْجَبَ مِنْها بَنَاتِهِ الـخَمْس، فكانَ إذا عَنَّـفَهُنَّ علَى الـخَطَأ، فَضَحَتْهُ زَوْجَتُهُ في المَلأ، وإذا مَعَهُنَّ انْبَسَط، قالَتْ لَهُ: غَلَط، وكُلَّـمَا قالَ لَـهُنَّ: لا، قالَتْ لَهُ: قُلْ بَلَى، وإنْ طَاوَعَهَا يَوْماً وقَال، قَالَتْ: أَفْرَطْتَ في الدَّلال، فكَانَ مِنْها في مُشَاغَبَة، وطُوْلِ جِدَالٍ ومُعَاتَـبَة، وحَدَثَ في ذاتِ يَوْم، وهُمَا يَسْتَعِدَّانِ للنَّوْم، أَنِ اقْتَـرَبَتْ مِنْهُ تَقُوْلُ لَه، وكَانَ السَّأَمُ قَدْ أَثْقَلَه:
يَا سَيِّدِي اللَّبِيْب، إنَّ سِيَاسَةَ التَّأْدِيْب، أنْ نَـنْظُرَ إلى المُسْتَقْبَل، ونَمْضِيَ نَحْوَ الأَفْضَل، ولا يَنْبَغِي أنْ تُعَنِّفَ البَنَات، أوْ أنْ تَسْكُتَ عَلَى ما فَات، ولا بُدَّ أنْ تَـتَّبِـعَ إسْتِرَاتِيْجِيَّةً وَاضِحَة، وتَسْتَفِيْدَ مِنْ تَـجَارِبِ الشُّعُوْبِ النَّاجِحَة، ولا شَكَّ أنَّ الـخَلَـلَ فِيْك، ولا بُدَّ مِنْ تَكْمِيْمِ فِيْك، فأنتَ لَـمْ تَطَّلِعْ عَلَى المَـنَاهِجِ الـحَدِيْثَة، وتَنْقُصُكَ لِبُلُوْغِ الوَعْيِ خُطىً حَثِيْثَة، وما أَحْوَجَكَ إلى دَوْرَةٍ تَأْهِيْلِيَّة، في عِلْمِ الذَّاتِ والبَرْمَـجَةِ اللُّغَوِيَّة، ففي الـحَقِيْقَةِ والوَاقِع، أنْتَ في الـجَهْلِ وَاقِع، وتَفْتَقِدُ مُعْظَمَ المَهَارَات، كَمَا أَثْبَتَتِ الدِّرَاسَات، فَائْذَنْ لي أَنْ أَخْتِمَ الكلام، بِأَحْدَثِ الإحْصَائيَّاتِ والأَرْقام.
فقَاطَعَها الزَّوْجُ المَكْدُوْد، وصَاحَ: لِلصَّبْرِ حُدُوْد، فجَذَبَـها إليهِ مِنْ شَعْرِها، وأَعْلَمَها حَقِيْقَةَ قَدْرِها، وصَفَعَها عَلَى خَدِّها، وأَوْقَفَها عِنْدَ حَدِّها، وتَـرَكَها وخَرَج، وسَأَلَ اللهَ الفَرَج، ثُمَّ أَخْرَجَ قَلَمَهُ وقِرْطَاسَه، وكَتَبَ بَعْدَ أنِ اسْتَجْمَعَ أنْفَاسَه:
لَقَدْ تَزَوَّجْتُ مِنْ خَرْقَاءَ بَارِدَةٍ *** تَضَاعَفَ الرُّزْءُ فِيْهَا وَانْتَـهَى أَسَفي
يَكَادُ يَـجْمُدُ مِنْهَا في العُرُوْقِ دَمِي *** لَوْلا حَـمِيْمُ الأَسَى مِنْ مَدْمَعِي الوَكِفِ
خَصَصْتُهَا بِوِدَادٍ خَالِصٍ، وَأَنا *** خُصِصْتُ مِنْها بِسُوْءِ الكَيْلِ وَالـحَشَفِ
تَـهْذِي عَلَيَّ بأقْوَالٍ مُطَلْسَمَةٍ *** وَتَـمْضَغُ الـحَرْفَ مَضْغَ الشَّاةِ لِلعَلَفِ
إذا احْتَضَنْتُ بَنَاتِي أوْ رَفَعْتُ يَدِي *** بِالزَّجْرِ فِيْهِنَّ صَاحَتْ بِي: كَفَاكَ قِفِ
تَقُوْلُ إنَّ (اسْتِرَاتِيْجِيَّتِي) خَطَأٌ! *** فَاسْمَعْ حَدِيْثِي، وَمِنْ يَنْبُوْعِيَ ارْتَشِفِ
ثُمَّ انْبَـرَتْ بِحَدِيْثِ السُّخْفِ تُـخْبِرُنِي *** بِمَا وَعَتْهُ مِنَ التِّلْفَازِ وَالصُّحُفِ
سَخَافَةٌ لَـمْ يَقُلْهَا التَّرْبَوِيُّ، ولَـمْ *** يَنْطِقْ بِـهَا غَيْرُ مَـخْذُوْلٍ وَمُعْتَسِفِ
بَقِيَّةٌ مِنْ تَـجَارِيْبٍ وَفَلْسَفَةٍ *** مَا ثَمَّ فِيْهِنَّ لِلْوَاعِيْنَ مِنْ هَدَفِ
وَحِيْنَمَـا أَكْثَرَتْ لِي مِنْ تَفَلْسُفِهَا *** وَسَاقَتِ القَوْلَ في كِبْـرٍ وَفي صَلَفِ
صَفَعْتُهَا بِيَمِيْنٍ لَوْ صَفَعْتُ بِـهَا *** مَيْتاً لَقَامَ عَلَى رِجْلَيْهِ كَالأَلِفِ
وَزِدْتُـهَا بِصُدُوْدِي كُرْبَةً وَجَوىً *** وَنِمْتُ في مَكْتَبِي.. رَأْسِي عَلَى كَتِفي
تَـرَكْتُـهَا وَحْدَهَا في حِضْنِ وَحْشَتِهَا *** وَصِحْتُ: (بِالإسْتِرَاتِيْجِيَّةِ) الْتَحِفي
فَمَا أَتَتْ مِنْ لَيَالِي الـهَجْرِ ثَالِثَةٌ *** إلاّ وَنَحْنُ كَعُصْفُوْرَيْنِ في كَنَفِ

Twitter Facebook Whatsapp