وهوَ مَثَلٌ يُقَالُ فِيْمَنْ أَهَانَهُ نُبْلُه، وأَصْمَاهُ مِنْ قَوْسِ مُـجْتَدِيْهِ نَبْلُه، والدَّائنُ هُنَا مُقْرِضُ الصَّحْبِ مالَه، والمُرْخِي عَلَى سَوْءاتِـهِمْ سِرْبَالَه، ورَجَا بِقَرْضِهِ الأَجْرَ والثَّوَاب، فكَانَ جَزَاءَهُ المَطْلُ والسِّبَاب.
وأَصْلُ المَثَلِ أنَّ رَجُلاً ابْتُلـِيَ بِالشَّهَامَة، وأَرْخَى في نَجْدَةِ الأَصْحَابِ زِمَامَه، فكَانَ إذا اسْتَصْرَخَهُ لاهِثْ، أَقْرَضَهُ ما يَقِيْهِ الـحَوَادِث، ثُمَّ اتَّفَقَ مَعَهُ عَلَى مَوْعِدِ السَّدَاد، ودَعا اللهَ لهُ بِالتَّوْفِيْقِ والسَّدَاد، فلَمْ يَبْقَ مِنْ أَصْحَابِهِ مُـحْتَاج، إلاّ وأَحَالَ ضِيْقَهُ إلى انْفِرَاج، وكَانُوا يَتَـوَدَّدُوْنَ إلَيْهِ سَاعَةَ القَرْض، ويَكَادُوْنَ يُقَبِّلُوْنَ أَمَامَهُ الأَرْض، وهوَ يَـجْذِبُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ يَمِيْنَه، ولا يَرْضَى لَـهُمْ حَالَةً مَهِيْنَة، وهَكَذا كَانَ في رِفْقِهِ ومَوَدَّتِه، لا يَكَادُ يَـحْرِمُ أَحَداً مِنْ نَجْدَتِه.
فلَـمَّا انْقَضَتْ مُدَّةُ ما بَيْنَهُمْ وبَيْنَه، طَافَ عَلَى أَصْحَابِهِ يَسْتَوْفِـي دَيْنَه، فطَرَقَ بَابَ الصَّاحِبِ الأَوَّل، فصَاحَ في وَجْهِهِ وأَعْوَل، وقالَ: لا سَبِيْلَ إلى التَّقَاضي، واذْهَبْ متَى شِئتَ إلى القَاضي، ثُمَّ عَاجَلَ وَجْهَهُ بِـبَصْقَة، وأَسْمَعَهُ مِنْ بَابِهِ صَفْقَة، ومَرَّ عَلَى صَاحِبِه الثَّاني، فأَقْسَمَ لهُ بِالمَثَاني، أَنَّهُ لا يَمْلِكُ قُوْتَ يَوْمِه، وأنَّ إفْطَارَهُ مِثْلُ صَوْمِه، وطَلَبَ مِنْهُ الإمْهَال، إلى صَلاحِ الـحَال، وأَمَّ بَيْتَ ثَالِثِ أَصْحَابِه، فطَالَ وُقُوْفُهُ عَلَى بَابِه، ثُمَّ خَرَجَ إليهِ أَحَدُ بَنِـيْه، وقَالَ والتَّلَعْثُمُ مِلْءُ فِيْه:، أَبِـي في سَفَرٍ قَدْ يَطُوْل، فلا يَكُنْ مِنْكَ قُفُوْل، وقَصَدَ صَاحِبَهُ الرَّابِـع، بَعْدَ أنْ رَصَدَهُ في الـجَامِع، فالْتَفَتَ إليهِ لَفْتَةَ المُكْتَسِح، وقالَ لهُ: يا لَكَ مِنْ وَقِح، تَـرَاني مُنْشَغِلاً بِالصَّلاةِ والابْتِهَال، وأَنْتَ تَـرْصُدُني تُـرِيْدُ المَال، فاغْرُبْ عَنْ وَجْهِي شَقِيْتَ وخُزِيْت، ولا سَلِمْتَ مِنَ الأَذَى ولا وُقِيْت، ولَنْ أَفِيَكَ شَيْئاً مِنْ مَالِك، رَدْعاً لَكَ ولأَمْثَالِك، وخَرَجَ يَلْتَمِسُ صَاحِبَهُ الـخَامِس، فوَجَدَهُ في بَعْضِ المَجَالِس، فلَـمَّا رَآهُ صَاحِبُه، انْعَقَدَ مِنْهُ حَاجِبُه، وقالَ: سَبَقَ مِنْكَ الإصْلاح، فلا تُفْسِدْهُ بِالمَنِّ والإلْـحَاح، ثُمَّ إنَّ اللهَ فَـتَحَ عَلَيْك، وسَاقَ جَزِيْلَ فَضْلِهِ إلَيْك، وما أَرَاكَ بِمُحْتَاج، فدَعْ عَنْكَ اللَّجَاج، واعْلَمْ أنَّ الـخِصَام، مِنْ طِبَاعِ اللِّئام، وإنِّي إخَالُكَ كَثِيْرَ اللُّؤْم، وفي وَجْهِكَ عَلامَاتُ الشُّؤْم، وهَا أَنَذَا بَدَأْتُ مِنْكَ أَضِيْق، فلا تَضْطَـرَّنِي إلى ما لا يَلِيْق، فاحْـمَدِ اللهَ عَلَى العَافِيَة، ولا تُـرِني وَجْهَكَ مَرَّةً ثَانِيَة.
فآثَـرَ الدَّائنُ أنْ يَسْتَرِيْح، وأَلاّ يَسْتَمْسِكَ بِالرِّيْح، وأَقْسَمَ باللهِ ذي الـجَلال، أَلاّ يُسْعِفَ مُعْوِزاً بِمَال، وأَلاّ يُنْجِدَ أَحَداً مِنْ كَمَدِه، ولَوْ كَانَ فَلْذَةَ كَبِدِه، ثُمَّ صَعَدَ مَنَارَةَ المَسْجِد، وأَنْشَأَ مِنْ غَيْظِهِ يُنْشِد:
يَا مَعْشَـرَ النُّبَلاءِ لا يَأْخُذْكُمُ *** في مُعْوِزٍ عَطْفٌ وَلا تَـتَأَثَّروا
يَسْتَفُّ بِاسْمِ القَرْضِ مِنْ أَمْوَالِكُمْ *** وَلَوِ اسْتَـبَنْـتُمْ فَهْوَ لِصٌّ أَكْبَرُ
يَأْتِي إلَيْكُمْ شَاكِياً أَحْوَالَهُ *** وَدُمُوْعُهُ مِنْ عَيْنِهِ تَـتَحَدَّرُ
وَيَظَلُّ يَسْتَجْدِي سَمَاحَ نُفُوْسِكُمْ *** وَلِسَانُهُ الـخَدَّاعُ شَهْدٌ يَقْطُرُ
لا تُـحْسِنُوا فِيْهِ الظُّنُوْنَ فَإنَّهُ *** أَدْهَى الوَرَى، وَمِنَ الثَّعَالِبِ أَمْكَرُ
لَوْ أَنَّنِي أَخْبَرْتُكُمْ بِأَذِيَّتِي *** مِنْ مِثْلِهِ لَشَجَاكُمُ مَا أُخْبِرُ
أَقْـرَضْتُ أَصْحَابي فَلَـمَّا جِئْتُهُمْ *** مُسْتَوْفِياً بَصَقُوا عَلَيَّ وَأَنْكَروا
وَأَقَلُّ مَا لاقَيْتُ مِنْ نُكْرَانِـهِمْ *** وَغْدٌ يُمَـاطِلُنِي، وَآخَرُ يَزْجُرُ
فِيْما مَضَى كُنْتُ العَزِيْزَ لَدَيْـهِمُ *** وَاليَوْمَ هَا أَنَذَا العَدُوُّ الأَخْطَرُ
قَدْ أَشْـرَبُوْني بِالمَهَانَةِ عَلْقَماً *** وَشَرَابُـهُمْ مِنْ قَبْلُ عِنْدِي السُّكَّرُ
فإذا أَرَدْتُمْ حِفْظَ مَاءِ وُجُوْهِكُمْ *** لا تُـقْرِضُوا أَحَداً، وَمِنِّي اسْتَعْبِروا
فَلَقَدْ رَأَيْتُمْ.. لا مُهَانَ كَدَائنٍ *** هُوَ في اللَّظَى، وَالمُسْتَدِيْنُ يُسَعِّرُ
وَإذا أَبَى إلاّ الشَّهَامَةَ نُبْلُكُمْ *** فَلْتَسْتَعِيْضُوا بِالتَّصَدُّقِ تُؤْجَروا
وأَصْلُ المَثَلِ أنَّ رَجُلاً ابْتُلـِيَ بِالشَّهَامَة، وأَرْخَى في نَجْدَةِ الأَصْحَابِ زِمَامَه، فكَانَ إذا اسْتَصْرَخَهُ لاهِثْ، أَقْرَضَهُ ما يَقِيْهِ الـحَوَادِث، ثُمَّ اتَّفَقَ مَعَهُ عَلَى مَوْعِدِ السَّدَاد، ودَعا اللهَ لهُ بِالتَّوْفِيْقِ والسَّدَاد، فلَمْ يَبْقَ مِنْ أَصْحَابِهِ مُـحْتَاج، إلاّ وأَحَالَ ضِيْقَهُ إلى انْفِرَاج، وكَانُوا يَتَـوَدَّدُوْنَ إلَيْهِ سَاعَةَ القَرْض، ويَكَادُوْنَ يُقَبِّلُوْنَ أَمَامَهُ الأَرْض، وهوَ يَـجْذِبُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ يَمِيْنَه، ولا يَرْضَى لَـهُمْ حَالَةً مَهِيْنَة، وهَكَذا كَانَ في رِفْقِهِ ومَوَدَّتِه، لا يَكَادُ يَـحْرِمُ أَحَداً مِنْ نَجْدَتِه.
فلَـمَّا انْقَضَتْ مُدَّةُ ما بَيْنَهُمْ وبَيْنَه، طَافَ عَلَى أَصْحَابِهِ يَسْتَوْفِـي دَيْنَه، فطَرَقَ بَابَ الصَّاحِبِ الأَوَّل، فصَاحَ في وَجْهِهِ وأَعْوَل، وقالَ: لا سَبِيْلَ إلى التَّقَاضي، واذْهَبْ متَى شِئتَ إلى القَاضي، ثُمَّ عَاجَلَ وَجْهَهُ بِـبَصْقَة، وأَسْمَعَهُ مِنْ بَابِهِ صَفْقَة، ومَرَّ عَلَى صَاحِبِه الثَّاني، فأَقْسَمَ لهُ بِالمَثَاني، أَنَّهُ لا يَمْلِكُ قُوْتَ يَوْمِه، وأنَّ إفْطَارَهُ مِثْلُ صَوْمِه، وطَلَبَ مِنْهُ الإمْهَال، إلى صَلاحِ الـحَال، وأَمَّ بَيْتَ ثَالِثِ أَصْحَابِه، فطَالَ وُقُوْفُهُ عَلَى بَابِه، ثُمَّ خَرَجَ إليهِ أَحَدُ بَنِـيْه، وقَالَ والتَّلَعْثُمُ مِلْءُ فِيْه:، أَبِـي في سَفَرٍ قَدْ يَطُوْل، فلا يَكُنْ مِنْكَ قُفُوْل، وقَصَدَ صَاحِبَهُ الرَّابِـع، بَعْدَ أنْ رَصَدَهُ في الـجَامِع، فالْتَفَتَ إليهِ لَفْتَةَ المُكْتَسِح، وقالَ لهُ: يا لَكَ مِنْ وَقِح، تَـرَاني مُنْشَغِلاً بِالصَّلاةِ والابْتِهَال، وأَنْتَ تَـرْصُدُني تُـرِيْدُ المَال، فاغْرُبْ عَنْ وَجْهِي شَقِيْتَ وخُزِيْت، ولا سَلِمْتَ مِنَ الأَذَى ولا وُقِيْت، ولَنْ أَفِيَكَ شَيْئاً مِنْ مَالِك، رَدْعاً لَكَ ولأَمْثَالِك، وخَرَجَ يَلْتَمِسُ صَاحِبَهُ الـخَامِس، فوَجَدَهُ في بَعْضِ المَجَالِس، فلَـمَّا رَآهُ صَاحِبُه، انْعَقَدَ مِنْهُ حَاجِبُه، وقالَ: سَبَقَ مِنْكَ الإصْلاح، فلا تُفْسِدْهُ بِالمَنِّ والإلْـحَاح، ثُمَّ إنَّ اللهَ فَـتَحَ عَلَيْك، وسَاقَ جَزِيْلَ فَضْلِهِ إلَيْك، وما أَرَاكَ بِمُحْتَاج، فدَعْ عَنْكَ اللَّجَاج، واعْلَمْ أنَّ الـخِصَام، مِنْ طِبَاعِ اللِّئام، وإنِّي إخَالُكَ كَثِيْرَ اللُّؤْم، وفي وَجْهِكَ عَلامَاتُ الشُّؤْم، وهَا أَنَذَا بَدَأْتُ مِنْكَ أَضِيْق، فلا تَضْطَـرَّنِي إلى ما لا يَلِيْق، فاحْـمَدِ اللهَ عَلَى العَافِيَة، ولا تُـرِني وَجْهَكَ مَرَّةً ثَانِيَة.
فآثَـرَ الدَّائنُ أنْ يَسْتَرِيْح، وأَلاّ يَسْتَمْسِكَ بِالرِّيْح، وأَقْسَمَ باللهِ ذي الـجَلال، أَلاّ يُسْعِفَ مُعْوِزاً بِمَال، وأَلاّ يُنْجِدَ أَحَداً مِنْ كَمَدِه، ولَوْ كَانَ فَلْذَةَ كَبِدِه، ثُمَّ صَعَدَ مَنَارَةَ المَسْجِد، وأَنْشَأَ مِنْ غَيْظِهِ يُنْشِد:
يَا مَعْشَـرَ النُّبَلاءِ لا يَأْخُذْكُمُ *** في مُعْوِزٍ عَطْفٌ وَلا تَـتَأَثَّروا
يَسْتَفُّ بِاسْمِ القَرْضِ مِنْ أَمْوَالِكُمْ *** وَلَوِ اسْتَـبَنْـتُمْ فَهْوَ لِصٌّ أَكْبَرُ
يَأْتِي إلَيْكُمْ شَاكِياً أَحْوَالَهُ *** وَدُمُوْعُهُ مِنْ عَيْنِهِ تَـتَحَدَّرُ
وَيَظَلُّ يَسْتَجْدِي سَمَاحَ نُفُوْسِكُمْ *** وَلِسَانُهُ الـخَدَّاعُ شَهْدٌ يَقْطُرُ
لا تُـحْسِنُوا فِيْهِ الظُّنُوْنَ فَإنَّهُ *** أَدْهَى الوَرَى، وَمِنَ الثَّعَالِبِ أَمْكَرُ
لَوْ أَنَّنِي أَخْبَرْتُكُمْ بِأَذِيَّتِي *** مِنْ مِثْلِهِ لَشَجَاكُمُ مَا أُخْبِرُ
أَقْـرَضْتُ أَصْحَابي فَلَـمَّا جِئْتُهُمْ *** مُسْتَوْفِياً بَصَقُوا عَلَيَّ وَأَنْكَروا
وَأَقَلُّ مَا لاقَيْتُ مِنْ نُكْرَانِـهِمْ *** وَغْدٌ يُمَـاطِلُنِي، وَآخَرُ يَزْجُرُ
فِيْما مَضَى كُنْتُ العَزِيْزَ لَدَيْـهِمُ *** وَاليَوْمَ هَا أَنَذَا العَدُوُّ الأَخْطَرُ
قَدْ أَشْـرَبُوْني بِالمَهَانَةِ عَلْقَماً *** وَشَرَابُـهُمْ مِنْ قَبْلُ عِنْدِي السُّكَّرُ
فإذا أَرَدْتُمْ حِفْظَ مَاءِ وُجُوْهِكُمْ *** لا تُـقْرِضُوا أَحَداً، وَمِنِّي اسْتَعْبِروا
فَلَقَدْ رَأَيْتُمْ.. لا مُهَانَ كَدَائنٍ *** هُوَ في اللَّظَى، وَالمُسْتَدِيْنُ يُسَعِّرُ
وَإذا أَبَى إلاّ الشَّهَامَةَ نُبْلُكُمْ *** فَلْتَسْتَعِيْضُوا بِالتَّصَدُّقِ تُؤْجَروا