الرئيسة >> التصنيفات >> فائت الأمثال، فواز اللعبون >> 27 - «مَا تَقَعَّرَ إلاّ حِيْنَمَـا انْقَعَرُوا»
وهوَ مَثَلٌ يُقَالُ فِيْمَنِ اضْطُـرَّ إلى المُجَارَاة، وسَاقَتْهُ إلى ما لا يَوَدُّ خُطَاه، والتَّقَعُّرُ تَـكَلُّفُ الفَصَاحَة، واجْتِنَابُ اللِّيْنِ والسَّمَاحَة، والانْقِعَارُ مُنْـتَـهَى التَّقَعُّر، وغَايَةُ التَّخَلُّفِ والتَّقَهْقُر، وانْقَعَـرَ الرَّجُلُ يَنْقَعِرُ انْقِعَارا، أَيْ تَـرَكَ القَوْمَ مِنْ تَقَعُّرِهِ حَيَارَى، وانْقَعَـرَتِ المَرْأَةُ فهيَ مُنْقَعِرَة، أَيْ خَارَتْ خُوَارَ البَقَرَة، والمُنْقَعِرُوْنَ جِنْسٌ مِنَ المُـتَقَعِّرِيْن، أَسَاسُهُمْ في العِيِّ مَتِيْن، يَلْهَجُوْنَ بِغَرِيْبِ الأَحَادِيْث، ولَـمْ تَـزَلْ تَأْكُلُهُمُ البَرَاغِيْث.
وأَصْلُ المَثَلِ أَنَّ شَاعِراً رَقِيْقَ اللَّفْظ، رَمَاهُ عَلَى المُنْقَعِرِيْنَ سُوْءُ الـحَظّ، وكَانُوا مَعَ انْقِعَارِهِمْ غِلاظَ الطَّبْع، يُعَامِلُوْنَ النَّاسَ بِالزَّجْرِ والرَّدْع، كَثِيْرِي الارْتِيَابِ في المَقَاصِد، وسِوَاهُمْ مِنَ العَالَمِيْنَ فَاسِد، يُؤْثِرُوْنَ الرَّثَاثَةَ والانْطِوَاء، وعَلَيْهِمْ مِنَ التَّجَهُّمِ سِيْـمَاء، فرَغِبَ الشَّاعِرُ أَنْ يُلاطِفَهُمْ بِالشِّعْر، ويُـرَقِّقَ طِبَاعَهُمْ بِمَا يُلِيْنُ الصَّخْر، فأَنْشَدَهُمْ فُنُوْنَ الأَعَاجِيْب، مِنْ وَعْظٍ ومَدِيْحٍ ونَسِيْب، وحِيْنَ كَانَ مُسْتَغْرِقاً في الإنْشَاد، كَانُوا يَرْمُقُوْنَهُ بِالنَّظَرِ الـحَادّ، ولَـمَّا فَرَغَ مِنْ تِلْكَ المَوَاجِد، انْـبَـرَوا عَلَيْهِ بِقَلْبِ رَجُلٍ وَاحِد، فأَرْجَفُوا في ذَمِّهِ وأَطَالُوا، وكَانَ مِنْ بَعْضِ ما قَالُوا:
لَقَدْ تَـزَبَّـبْتَ يَا حِصْرِم، وَخُضْتَ العُبَابَ الـخِضْرِم، وَاشْمَخْـرَرْتَ بِمِعْطَسٍ أَفْطَس، وَمِثْلُكَ بَعْدُ مَا اقْعَنْسَـس، وَتَـزْعُمُ أَنَّكَ الـجَحْجَاحُ القُدْمُوْس، وَمَا جَزَاؤكَ إلا النُّـقَاخُ بِالعَسَطُوْس، تَـتَـكَأْكَأُ عَلَى الشِّعْرِ الوَاهِن، وَتُـثِـيْـرُ اخْرِنْطَامَنَا بِالمَلاحِن، وَتُنَاطِسُ في الوَعْظِ الزَّاجِر، وَأَنْتَ هِلَّوْفٌ فَاجِر، وَتُسَامِقُ بِالتَّمْدَاحِ الكَاذِب، بَكَتْ عَلَيْكَ النَّوَادِب، وَتُطَرْبِلُ شَرَاسِيْفَكَ بِالمُجُوْن، وَتَسْحَنْفِرُ فِيْهِ يَا مَأْفُوْن، فَيَا لَكَ مِنْ عَصَبْصَبٍ مُنْدَمِك، لا وَدَعَ اللهُ غَارِزاً في فَمِك، هَلاَّ أَطْسَأْتَنَا بِشِعْرٍ كَشِعْرِ أَبِي عِجَانَة، أَوْ كَشِعْرِ ابْنِ خِرِنْبَاعَ مُسْحَوْحِقِ المَكَانَة.(1)
فأَدْرَكَ الشَّاعِرُ أَنَّهُ يَنْفَخُ في رَمَاد، ويُـخَاطِبُ جَمَاعَةً مِنْ قَوْمِ عَاد، ثُمَّ حَـمَلَهُ الـهُزْءُ بِـهِمْ عَلَى المُعَاوَدَة، فهَذَّ عَلَيْهِمْ مِنَ الغَدِ جَلامِدَه، وأَنْشَدَهُمْ شِعْراً يُـحَيِّـرُ الـجَان، ولا تَصِلُ إلى مَعَانِيْهِ الأَذْهَان، فكَانُوا يَسْتَـزِيْدُوْنَ إنْشَادَه، ويَسْأَلُوْنَ لَهُ اللهَ السَّعَادَة، وهوَ أَثْنَاءَ ذَلِكَ يَـخْلِطُ البُـرَّ بِالشَّعِيْر، وهُمْ يَقُوْلُوْنَ: لِـلَّـهِ دَرُّكَ مِنْ نِحْرِيْر، وكَانَ مِنْ جُمْلَةِ ما نَفَثَه، قَوْلُهُ غَفَرَ اللهُ عَبَثَه:
تَـخَامَطَتْ في نَخَا المِطْنَاخِ خَامِطَةٌ *** وَالـخَامِطُوْنَ عَلَى مِرْبَاخِهَا نَخَرُوا
مِنْ كُلِّ مِطْنِيْحِ قَفْحٍ أَوْ أَخِي كَرَحٍ *** لا يَسْتَوِي عِنْدَهُ المِحْرَاحُ وَالشَّحَرُ
تَقَرْفَطَتْ في طُقَاهُمْ كُلُّ قَارِطَةٍ *** يَكَادُ مِنْ طُرْقَطِيْهَا المَقْطُ يَنْطَشِرُ
لا شَيْءَ يَشْرَخُها إلاَّ إذا انْشَرَخَتْ *** وَبَانَ في شُرُخَاتِ الرَّشْخِ مُنْشَخِرُ
فَكُلَّـمَا زَمْقَطَتْ في الزَّامِقِيْنَ بِـهَا *** تَقَرْمَزُوا فَـتَقَازَى حَوْلَـهَا القَزَرُ
قَامُوا عَلَيْها شَرَافِيْخاً مُقَرْشِفَةً *** وَعِنْدَمَا قَرْفَشُوْهَا قَرْفَشَ القَشَرُ
هَيْهَاتَ يَـخْثُلُهَا الثَّاخِي عَلَى ثَخَنٍ *** أَوْ أَنْ يُثَاخِـمَهَا المُخْرَنْثِطُ الـخَثِرُ
كَمْ صَارَدُوْهَا عَلَى الصَّفْصَاعِ فَانْصَرَدَتْ *** حَتَّى تَصَرْدَلَ مِنْهَا الصَّخْوُ وَالفَصَرُ
فَاسْتَرْضَغَتْ بَعْدَ أَنْ ضَاغَتْ مَرَاضِغُهَا *** ضَغْبَاءَ وَضْغَاءَ مَضْغُوْباً بِـهَا الغَضَرُ
فَمَا تُغَمْغِمُ في الغَمْرَاءِ مُغْرَتُـهَا *** إلاَّ وَغَرْشَقَ غُرْقُوْسٌ وَمُنْشَغِرُ
فَيَا لَـهَا طَرْعَةً هَاطَتْ عَلَى هَقَطٍ *** وَطَوَّهَتْهَا طَهَالِي الـهَطْعِ وَالـهُطُرُ
فَدُوْنَكُمْ مِنْ تَعَاوِيْذِ الرُّقَى دُرَراً *** كَلاَّ، فَأَرْخَصُ مِـمَّا قُلْتُهُ الدُّرَرُ
مِنْ شَاعِرٍ لَـمْ يَـحِدْ عَنْ نَـهْجِ عُصْبَـتِهِ *** ولَـمْ يَفُهْ أَبَداً إلاَّ بِمَا أَمَرُوا
فَلاَ تَلُوْمُوْهُ يَوْماً في تَقَعُّرِهِ *** فَمَا تَقَعَّرَ إلاَّ حِيْنَمَـا انْقَعَرُوا
-------
(1) تَفْسِيْرُ الفِقْرَة:
لَقَدْ جَعَلْتَ مِنْ نَفْسِكَ زَبِيْباً نَاضِجاً وأَنْتَ لَـمْ تَنْضُجْ بَعْد، وسَبَحْتَ في بَحْرٍ عَمِيْق، وبَاهَيْتَ بِأَنْفٍ قَصِيْر، ومِثْلُكَ بَعْدُ ما اشْتَدَّ عُوْدُه، وتَـزْعُمُ أَنَّكَ سَيِّدٌ نَبِيْلٌ وَضَخْم، ومَا جَزَاؤكَ إلاّ الضَّرْبُ عَلَى رَأْسِكَ بِالعَصَا، تَسْتَنِدُ عَلَى الشِّعْرِ الضَّعِيْف، وتُثِيْرُ غَضَبَنا بِأَخْطَائكَ ولَـحْنِك، وتَـجْعَلُ مِنْ نَفْسِكَ طَبِيْباً يُدَاوِي بِالوَعْظِ الرَّادِع، وأَنْتَ كَذَّابٌ فَاجِر، وتَتَعَالَى بِالمَدِيْحِ الكَاذِب، قَامَتْ عَلَيْكَ النَّوَائح، وتَـمْلأُ جَوَانِحَكَ بِالفِسْق، وتَـتَمَـادَى فِيْهِ يا مُـخْتَلَّ العَقْل، فيَا لَكَ مِنْ شَدِيْدِ البَلاءِ سَرِيْعِ الـخَطْوِ فِيْه، لا تَـرَكَ اللهُ ضِرْساً في فَمِك، هَلاّ أَدْسَمْتَنا وأَمْتَعْتَنا بِشِعْرٍ كَشِعْرِ أَبِي عِجَانَة، أَوْ كَشِعْرِ ابْنِ خِرِنْبَاعَ بَعِيْدِ المَكَانَة.
قَالَ الرَّاوِي: وأَبُو عِجَانَةَ شَاعِرٌ يَعْجِنُ الشِّعْرَ عَجْنا، فَلا يُدْرَى أَهوَ شِعْرٌ أَمْ نَظْمٌ أَمْ رُقْيَةُ عَقْرَب، واسْمُهُ: طَفْحَلَةُ بْنُ قَوْحَلَة، أَمَّا ابْنُ خِرِنْبَاعَ فَهوَ مِنْ شُعَـرَاءِ الجِنِّ الذِيْنَ أَدْرَكُوا سُلَيْمَانَ -عَلَيْهِ السَّلامُ- وعَصَوْه، واسْمُهُ قِرْبَاعُ بْنُ خِرِنْبَاعَ الدَّجُوْجِي، وقَدْ وُجِدَ لَهُ بَيْتَانِ نُحِتَا عَلَى قُمْقُمٍ عُثِرَ عَلَيْهِ في قَاعِ بَحْر، وهُمَا مِنْ أَوْضَحِ ما نَظَمَ بَعْدَ تَوْبَتِه، ويَقُوْلُ فِيْهِمَا:
عَصَيْتُ سُلَيْمَانَ النَّبِيَّ وهَا أَنَا *** بِقُمْقُمِهِ ثَاوٍ يُـحِيْطُ بِيَ القَاعُ
فَإنْ تَسْأَلُوا عَنِّي اتِّعَاظاً فَإنَّنِي *** أَنَا ابْنُ خِرِنْبَاعَ الدَّجُوْجِيُّ قِرْبَاعُ
يُنْظَرُ كِتَاب: «مَنْهَلُ الأَدِيْبِ الأَرِيْب، في الأَغَالِيْطِ والأَكَاذِيْب»، لِـمُؤَلِّفِه: ابْنِ سَلاّلِ الدَّجَّال، بَتَحْقِيْق: لاثِغِ بْنِ فَارِغ، ص: 214.
وأَصْلُ المَثَلِ أَنَّ شَاعِراً رَقِيْقَ اللَّفْظ، رَمَاهُ عَلَى المُنْقَعِرِيْنَ سُوْءُ الـحَظّ، وكَانُوا مَعَ انْقِعَارِهِمْ غِلاظَ الطَّبْع، يُعَامِلُوْنَ النَّاسَ بِالزَّجْرِ والرَّدْع، كَثِيْرِي الارْتِيَابِ في المَقَاصِد، وسِوَاهُمْ مِنَ العَالَمِيْنَ فَاسِد، يُؤْثِرُوْنَ الرَّثَاثَةَ والانْطِوَاء، وعَلَيْهِمْ مِنَ التَّجَهُّمِ سِيْـمَاء، فرَغِبَ الشَّاعِرُ أَنْ يُلاطِفَهُمْ بِالشِّعْر، ويُـرَقِّقَ طِبَاعَهُمْ بِمَا يُلِيْنُ الصَّخْر، فأَنْشَدَهُمْ فُنُوْنَ الأَعَاجِيْب، مِنْ وَعْظٍ ومَدِيْحٍ ونَسِيْب، وحِيْنَ كَانَ مُسْتَغْرِقاً في الإنْشَاد، كَانُوا يَرْمُقُوْنَهُ بِالنَّظَرِ الـحَادّ، ولَـمَّا فَرَغَ مِنْ تِلْكَ المَوَاجِد، انْـبَـرَوا عَلَيْهِ بِقَلْبِ رَجُلٍ وَاحِد، فأَرْجَفُوا في ذَمِّهِ وأَطَالُوا، وكَانَ مِنْ بَعْضِ ما قَالُوا:
لَقَدْ تَـزَبَّـبْتَ يَا حِصْرِم، وَخُضْتَ العُبَابَ الـخِضْرِم، وَاشْمَخْـرَرْتَ بِمِعْطَسٍ أَفْطَس، وَمِثْلُكَ بَعْدُ مَا اقْعَنْسَـس، وَتَـزْعُمُ أَنَّكَ الـجَحْجَاحُ القُدْمُوْس، وَمَا جَزَاؤكَ إلا النُّـقَاخُ بِالعَسَطُوْس، تَـتَـكَأْكَأُ عَلَى الشِّعْرِ الوَاهِن، وَتُـثِـيْـرُ اخْرِنْطَامَنَا بِالمَلاحِن، وَتُنَاطِسُ في الوَعْظِ الزَّاجِر، وَأَنْتَ هِلَّوْفٌ فَاجِر، وَتُسَامِقُ بِالتَّمْدَاحِ الكَاذِب، بَكَتْ عَلَيْكَ النَّوَادِب، وَتُطَرْبِلُ شَرَاسِيْفَكَ بِالمُجُوْن، وَتَسْحَنْفِرُ فِيْهِ يَا مَأْفُوْن، فَيَا لَكَ مِنْ عَصَبْصَبٍ مُنْدَمِك، لا وَدَعَ اللهُ غَارِزاً في فَمِك، هَلاَّ أَطْسَأْتَنَا بِشِعْرٍ كَشِعْرِ أَبِي عِجَانَة، أَوْ كَشِعْرِ ابْنِ خِرِنْبَاعَ مُسْحَوْحِقِ المَكَانَة.(1)
فأَدْرَكَ الشَّاعِرُ أَنَّهُ يَنْفَخُ في رَمَاد، ويُـخَاطِبُ جَمَاعَةً مِنْ قَوْمِ عَاد، ثُمَّ حَـمَلَهُ الـهُزْءُ بِـهِمْ عَلَى المُعَاوَدَة، فهَذَّ عَلَيْهِمْ مِنَ الغَدِ جَلامِدَه، وأَنْشَدَهُمْ شِعْراً يُـحَيِّـرُ الـجَان، ولا تَصِلُ إلى مَعَانِيْهِ الأَذْهَان، فكَانُوا يَسْتَـزِيْدُوْنَ إنْشَادَه، ويَسْأَلُوْنَ لَهُ اللهَ السَّعَادَة، وهوَ أَثْنَاءَ ذَلِكَ يَـخْلِطُ البُـرَّ بِالشَّعِيْر، وهُمْ يَقُوْلُوْنَ: لِـلَّـهِ دَرُّكَ مِنْ نِحْرِيْر، وكَانَ مِنْ جُمْلَةِ ما نَفَثَه، قَوْلُهُ غَفَرَ اللهُ عَبَثَه:
تَـخَامَطَتْ في نَخَا المِطْنَاخِ خَامِطَةٌ *** وَالـخَامِطُوْنَ عَلَى مِرْبَاخِهَا نَخَرُوا
مِنْ كُلِّ مِطْنِيْحِ قَفْحٍ أَوْ أَخِي كَرَحٍ *** لا يَسْتَوِي عِنْدَهُ المِحْرَاحُ وَالشَّحَرُ
تَقَرْفَطَتْ في طُقَاهُمْ كُلُّ قَارِطَةٍ *** يَكَادُ مِنْ طُرْقَطِيْهَا المَقْطُ يَنْطَشِرُ
لا شَيْءَ يَشْرَخُها إلاَّ إذا انْشَرَخَتْ *** وَبَانَ في شُرُخَاتِ الرَّشْخِ مُنْشَخِرُ
فَكُلَّـمَا زَمْقَطَتْ في الزَّامِقِيْنَ بِـهَا *** تَقَرْمَزُوا فَـتَقَازَى حَوْلَـهَا القَزَرُ
قَامُوا عَلَيْها شَرَافِيْخاً مُقَرْشِفَةً *** وَعِنْدَمَا قَرْفَشُوْهَا قَرْفَشَ القَشَرُ
هَيْهَاتَ يَـخْثُلُهَا الثَّاخِي عَلَى ثَخَنٍ *** أَوْ أَنْ يُثَاخِـمَهَا المُخْرَنْثِطُ الـخَثِرُ
كَمْ صَارَدُوْهَا عَلَى الصَّفْصَاعِ فَانْصَرَدَتْ *** حَتَّى تَصَرْدَلَ مِنْهَا الصَّخْوُ وَالفَصَرُ
فَاسْتَرْضَغَتْ بَعْدَ أَنْ ضَاغَتْ مَرَاضِغُهَا *** ضَغْبَاءَ وَضْغَاءَ مَضْغُوْباً بِـهَا الغَضَرُ
فَمَا تُغَمْغِمُ في الغَمْرَاءِ مُغْرَتُـهَا *** إلاَّ وَغَرْشَقَ غُرْقُوْسٌ وَمُنْشَغِرُ
فَيَا لَـهَا طَرْعَةً هَاطَتْ عَلَى هَقَطٍ *** وَطَوَّهَتْهَا طَهَالِي الـهَطْعِ وَالـهُطُرُ
فَدُوْنَكُمْ مِنْ تَعَاوِيْذِ الرُّقَى دُرَراً *** كَلاَّ، فَأَرْخَصُ مِـمَّا قُلْتُهُ الدُّرَرُ
مِنْ شَاعِرٍ لَـمْ يَـحِدْ عَنْ نَـهْجِ عُصْبَـتِهِ *** ولَـمْ يَفُهْ أَبَداً إلاَّ بِمَا أَمَرُوا
فَلاَ تَلُوْمُوْهُ يَوْماً في تَقَعُّرِهِ *** فَمَا تَقَعَّرَ إلاَّ حِيْنَمَـا انْقَعَرُوا
-------
(1) تَفْسِيْرُ الفِقْرَة:
لَقَدْ جَعَلْتَ مِنْ نَفْسِكَ زَبِيْباً نَاضِجاً وأَنْتَ لَـمْ تَنْضُجْ بَعْد، وسَبَحْتَ في بَحْرٍ عَمِيْق، وبَاهَيْتَ بِأَنْفٍ قَصِيْر، ومِثْلُكَ بَعْدُ ما اشْتَدَّ عُوْدُه، وتَـزْعُمُ أَنَّكَ سَيِّدٌ نَبِيْلٌ وَضَخْم، ومَا جَزَاؤكَ إلاّ الضَّرْبُ عَلَى رَأْسِكَ بِالعَصَا، تَسْتَنِدُ عَلَى الشِّعْرِ الضَّعِيْف، وتُثِيْرُ غَضَبَنا بِأَخْطَائكَ ولَـحْنِك، وتَـجْعَلُ مِنْ نَفْسِكَ طَبِيْباً يُدَاوِي بِالوَعْظِ الرَّادِع، وأَنْتَ كَذَّابٌ فَاجِر، وتَتَعَالَى بِالمَدِيْحِ الكَاذِب، قَامَتْ عَلَيْكَ النَّوَائح، وتَـمْلأُ جَوَانِحَكَ بِالفِسْق، وتَـتَمَـادَى فِيْهِ يا مُـخْتَلَّ العَقْل، فيَا لَكَ مِنْ شَدِيْدِ البَلاءِ سَرِيْعِ الـخَطْوِ فِيْه، لا تَـرَكَ اللهُ ضِرْساً في فَمِك، هَلاّ أَدْسَمْتَنا وأَمْتَعْتَنا بِشِعْرٍ كَشِعْرِ أَبِي عِجَانَة، أَوْ كَشِعْرِ ابْنِ خِرِنْبَاعَ بَعِيْدِ المَكَانَة.
قَالَ الرَّاوِي: وأَبُو عِجَانَةَ شَاعِرٌ يَعْجِنُ الشِّعْرَ عَجْنا، فَلا يُدْرَى أَهوَ شِعْرٌ أَمْ نَظْمٌ أَمْ رُقْيَةُ عَقْرَب، واسْمُهُ: طَفْحَلَةُ بْنُ قَوْحَلَة، أَمَّا ابْنُ خِرِنْبَاعَ فَهوَ مِنْ شُعَـرَاءِ الجِنِّ الذِيْنَ أَدْرَكُوا سُلَيْمَانَ -عَلَيْهِ السَّلامُ- وعَصَوْه، واسْمُهُ قِرْبَاعُ بْنُ خِرِنْبَاعَ الدَّجُوْجِي، وقَدْ وُجِدَ لَهُ بَيْتَانِ نُحِتَا عَلَى قُمْقُمٍ عُثِرَ عَلَيْهِ في قَاعِ بَحْر، وهُمَا مِنْ أَوْضَحِ ما نَظَمَ بَعْدَ تَوْبَتِه، ويَقُوْلُ فِيْهِمَا:
عَصَيْتُ سُلَيْمَانَ النَّبِيَّ وهَا أَنَا *** بِقُمْقُمِهِ ثَاوٍ يُـحِيْطُ بِيَ القَاعُ
فَإنْ تَسْأَلُوا عَنِّي اتِّعَاظاً فَإنَّنِي *** أَنَا ابْنُ خِرِنْبَاعَ الدَّجُوْجِيُّ قِرْبَاعُ
يُنْظَرُ كِتَاب: «مَنْهَلُ الأَدِيْبِ الأَرِيْب، في الأَغَالِيْطِ والأَكَاذِيْب»، لِـمُؤَلِّفِه: ابْنِ سَلاّلِ الدَّجَّال، بَتَحْقِيْق: لاثِغِ بْنِ فَارِغ، ص: 214.